الجمعة 5 ربيع الآخر 1442 هـ

الموافق 20 نوفمبر 2020 م

الحمد لله الكريم الباري، أمد الأمة برجال أمثال الإمام البخاري، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرم الأمة بصحيح البخاري، وهدى به الضال وأرشد الساري، فكان عمدة الدارس والقاري، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، حفظ الله كلامه بصحيحي الشيخين مسلم والبخاري، فكشف لنا بحديثه الصحيحِ من الأحكام كلَّ ساتر ومتواري، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما دام الناس رغم الأحقاد يدرسون ويقرؤون صحيح البخاري.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن التاريخ حفظ لنا رجالاً من أهل الإسلام، لا يُمكِنُ زوالُ ذكرُهم إلا بزوال الإسلام، ولن يزول الإسلام إلا بقيام الساعة، إنهم حَمَلَةُ هذا الدين، وناقلوه إلى الناس عبر هذه القرون الطوال .. منهم عالمٌ من علماءِ الأمة، من علماء القرنِ الثالث الهجري، ذاق اليُتمَ كما هي سنَّةُ أكثرِ العظماء، وعاش في كنفِ والدتهِ الصالحة، وكانت الكتاتيبُ بوابةَ بروزِهِ وشهرتهِ وإمامته، سيرته رحمه الله، من أعجب العجب، في ذكائه وحفظهِ وفقههِ وعلمِه ، في عبادتِهِ وزُهدِهِ وَوَرَعِه ، رجلٌ اقترن اسمُهُ باسمِ النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكادُ تسمعُ قال صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا ومعها أخرجهُ أو رواه .

ذلكم عباد الله هو أمير المؤمنين في الحديث  أبو عبد الله، محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، كان مولده في يوم جمعة سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة في بخارى، ونشأ في بيت علم، وظهرت عليه في طفولته علامات النبوغ والنجابة ، ووهبه الله سبحانه وتعالى ذاكرةً قويّة تفوّق بها على أقرانه، وقد اشتمله الله برعايته وعنايته منذ طفولته، وابتلاه بفقدان بصره في صباه، فرأت والدته في المنام إبراهيم عليه السلام فقال لها :

(يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك) فأصبحت، وقد ردّ الله عليه بصره ببركة دعاء أمه له .. وقد أُلهِمَ البخاري رحمه الله حفظَ الحديثِ وهو في الكُتَّابِ، وعمرُهُ عشر سنوات، وكان يُصَحِّحُ لشيخِهِ خطأهُ في الإسناد ، وهو ابن إحدى عشرةَ سنة ، وحفظَ كتُبَ العلماءِ الكبار وهو ابن ستَّ عشرةَ سنة ، ثم حجَّ مع والدتهِ ومكث بمكةَ لطلبِ الحديث . فكان هذا أول ارتحاله في طلب العلم، وكان ذلك حوالي سنة عشر ومائتين من الهجرة ثمَّ رحل إلى المدينة والشام ومصر ونَيسابور والجزيرة والبصرة، والكوفة، وبغداد، وواسط، ومرو، والرّيّ، وبَلْخ، وغيرها، قال الخَطيب البغدادي رحمه الله: (رحل في طلب العلم إلى سائر محدِّثي الأمصار).. بدأ تصنيف بعض كتبِه مثلُ كتابهِ العظيم (التاريخُ الكبير) وهو ابن ثمانِ عشرةَ سنة والكُتُبُ التي كتبها وهو في هذا العمر يقوم على دراستها كبار الدارسين والمحققين والعلماء. وأعجبُ من ذلك أنه كان يصاحبُ أقرانه إلى المشايخ لأخذِ الحديث عنهم، وهم يكتبون وهو لا يكتب، ويأمرونه بالكتابةِ وهو لا يكتُب، فلمَّا ألحُّوا عليه، قرأ عليهم ما كتبوه عن ظهرِ قلب، وبلغت آلاف الأحاديث،  فكانوا يُصحِّحون ما كتبوه من حفظِهِ رحمه الله.. قدم بغداد، وقد كان أئمة الحديث فيها يسمعون عن قوَّة حفظه؛ فأرادوا امتحانه، فعمدوا إلى عشرة من حفَّاظهم، مع كلِّ واحدٍ عشرةُ أحاديث قلَّبوا أسانيدها وخلَّطوها، فأخذوا يلقونها على البخاري حديثًاً حديثًاً، وهو يقول: لا أعرف هذا الحديث؛ حتى أنهوا المائة حديث، ثم أعاد عليهم المائة حديث بخطئهم، ثم أعادها مرة أخرى مصحَّحة؛ فأقرُّوا له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ليس العجب من ردِّ البخاري الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظًاً؛ بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرَّةٍ واحدةٍ) يقول الإمام أبو بكرٍ الكَولَذانِّي رحمه الله : ما رأيتُ مثل البخاري كان يأخُذُ الكتابَ من العلم  فيطَّلِعُ عليه اطلاعه واحِدة، فيحفظُ عامَّةَ أطرافِ الحديث من تلك المطالعة .

وكان ثمرةُ هذا الحرص وتلك الحافظة رصيداً كثيراً من الأحاديث، بلغت الآلاف، بين مقبول ومردود، يختزنها البخاري في ذاكرته، بأسانيدها وفوائدها وعللها. حتى كان له أكثَرَ من ألفِ شيخٍ في نواحي البلادِ الإسلامية .

ولقد رآه غير واحد في المنام يمشي خلف النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلما رفع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قدمه؛ وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع؛ وتلك كرامةٌ في التأسِّي والاقتفاء. بل إن البخاري رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المنام؛ قال يصف تلك الرؤيا: (وكأنني واقفٌ بين يَدَيْه، وبيدي أحمل مروحة أذبُّ بها عنه فسألتُ بعض المعبِّرين؛ فقال لي: أنت تذبُّ عنه الكذب؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح)

بعلمِهِ وعملِه، وإتباعِهِ للسنة وإخلاصِه، بلغ صيتُه الآفاق، وأثنى عليه العلماءُ حتى قال الحافظُ بن حجرٍ رحمه الله : ولو فَتَحتُ بابَ ثناءِ الأئمةِ عليه، ممن تأخر عن عصره لَفَنِيَ القِرطاس، ونفذت الأنفاس، فذاك بحرٌ لا ساحلَ له . وبلغ من محبَّتِهِم للبخاريِّ ما قالَهُ يحيى بنُ جعفرٍ رحمه الله : لو قَدِرتُ أن أزيد في عمر محمدِ بنُ إسماعيل  أي البخاري من عمري لفعلت، فإن موتي يكونُ موتُ رجلٍ واحدٍ وموتُهُ ذهاب العلم .. ومع علمه وحفظه كان آيةً في العبادة، لم يشغلهُ الحديثُ عن القرآن، إذ كان يختِمُ في كلِّ يومٍ من رمضانَ ختمة، وكان ذا خشوعٍ عظيمٍ في صلاته وكان فيه من الورعِ والتقوى ما جعله يقول إنِّي لأرجو من الله عز وجل، أن ألقاه ولا يُحاسِبُني أنِّي اغتبتُ أحداً. وكان رحمه الله رجلاً معروفاً بالكرم والجود والسخاء، وكان عالماً ورعاً تقياً،  قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم.

أيها المسلمون: أما عن كتابه صحيح البخاري، الذي جمع فيه ما صح من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أشهر كتب البخاري بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبةً. بذل فيه صاحبه جهداً خارقًاً، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاماً، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، مع الرؤيا التي رآها عن رسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: رحمه الله، كنَّا عندَ اسحق بن راهَوَيه فقال لو جمعتم كتاباً مُختصراً لصحيحِ سنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، قال فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمعِ الجامِعِ الصحيح، وكان قولُ شيخه حافزاً له على جمعِ الصحيح، الذي أجمعَ العلماءُ قديماً وحديثًاً على أنه لا يوجدُ على وجهِ الأرض، كتاباً أصحُّ منه، إلا كتابُ الله تعالى،  وما كان ذلك إلا توفيقاً من الله تعالى، وكرماً منه لهذا الإمام العظيم، ثم تَحَرِّي هذا الإمام ودقَّتِه، وكثرةِ استخارته لله، حتى خرجَ كتابُهُ على أحسنِ وجه… وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًاً اختارها من بين آلاف الأحاديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًاً في قبول الرواية، واشترط شروطًاً خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصراً لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه مباشرة، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معاً، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع. وكان البخاري رحمه الله لا يضع حديثًاً في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين. وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه وراجعه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.

عباد الله: ومع كل هذا الحرص والدقة التي سمعتم، فإننا لا نقول أن البخاري رحمه الله كان معصوماً، بل هو يصيب ويخطئ في حياته العادية،  لكنه كما يقول بعض أهل العلم: كان الإمام البخاري إذا أخذ مجلسه، ومسك قلمه فإنه لا يخطئ ليس لأنه معصوم ولا لذاته، بل لكمال منهجه، وسعة حفظه للحديث، فقد اختار الأحاديث، وفق منهج شديد، وشرطه لقبول الأحاديث شرط شديد، فقد سار على ذلك المنهج وذاك الشرط، فمثلاً الآلة الحاسبة ما بالها تصيب في كل عملية حسابية، أهي معصومة من الخطأ أم الذي اخترعها معصوم لا يخطئ، لا يقول بذلك أحد، فالحديث ليس عن العصمة  بل الحديث عن الإتقان ، فكما أتقن المخترع اختراعه، كذلك أتقن البخاري كتابه لذا قال عنه أبو الطيب حاتم بن منصور كما في السير للذهبي: محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.

أيها المؤمنون: إنَّ الذين يَطعنون في البخاري وفي صحيحه اليوم، إنَّما يقصدون أموراً خطيرة، غايتُها بلبلةُ أفكار المسلمين وتَشتيت جهودهم، إنَّهم يريدون مِن طعْنِ

البخاري هدمَ ركنٍ ركين يَرتكز عليه الإسلامُ؛ هدم أعظم مَصدر من مصادر التَّشريع الإسلامي؛ هدم السنَّة المحمديَّة التي حفِظ لنا البخاريُّ منها جزءاً كبيراً صحيحاً دقيقًاً، مدعماً ممحصاً ولكن سيَخيب ظنُّهم، وسيرتدُّ كيدُهم إلى نحورهم ما دمنا متمسِّكين بكتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

يُسَاءُ إلى الرسولِ بقُبْحِ رسمٍ

كذاك يُساءُ  في طعنِ البخاري

كلا الأمرين شأنُهما عظيمٌ

لكلِ مطالعٍ ولكلِ قاري

وجلّ رسولُنا قدراً وحباً

وجلّ إمامُنا عن كلِ زاري

 

فلولا ما أتى نقلاً إلينا

لحرنا في تفاصيل كثاري

أواعجباً أيُنقَدُ كنزٌ إرثٍ

وإن الأمرَ أوضحُ من نهاري

إسائتا لمن نقلوا إلينا

تُسيءُ إلى النبي بلا إعتبار

فهوناً ثم عقلاً ثم عدلاً

حذاري أن تُسيءَ إليه حذاري

عباد الله: وفي السنة الثانية والستين من عمر الإمام البخاري خرج إلى قرية من قرى سمرقند، فنزل ضيفاً على رجل من أقربائه، فسمعه هذا الرجل ليلة وقد فرغ من صلاته يقول في دعائه (اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).  فما تم الشهر حتى قبض، مات بعد مرض دام أياماً قليلة، وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر المبارك سنة 256 هجرية. وهكذا ولد رحمه الله يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع، ومات في عيد الفطر، ولد في عيد ومات في عيد.

فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين والإنسانية بما يجزي به أولياءه الصالحين، إنه سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: توفي الإمام البخاري رحمه الله تعالى بعد أن خلَّف للأمة ميراثاً ثميناً، وبقيت سيرته مناراً يهتدى، وعلمه ضوءاً يقتدى، وتراثه تُشد له الرحال ويُحتفى. إنَّ من المقرر في شريعتنا الغراء أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وحين يذكرُ الاحتجاجَ بالسنة يأتي في مقدمتها صحيحُ البخاري، الذي تلقته الأمة الإسلامية بالقبول، وعلى العمل به طوال العصور، وأجمع العلماء على أن أحاديثه قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم قطعياً، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من علماء الأمة.. وبقي أهل السنة عبر كل جيل على هذا المنهج، لا يضرهم من خاصمهم أو خالفهم،

وفي كل عصر وجيل، تنبت نوابت من بني جلدتنا تطعن في السنة النبوية أو في كتب الصحاح، بتبريرات عبثية، ونقد غير علمي خارج منهجية المحدثين المختصين. نعم، للسنة النبوية والحديث، خصوم ومحرفون وطاعنون ومنكرون، ولهم في طعنهم في صحيح البخاري طرائق قدداً، إما بذوق عقلي، أو هوىً شهواني، أو ادعاء مناقضته للقرآن، واليوم تُردُّ أحاديث المصطفى الصحيحة لعدم توافقها مع الحريات المنفلتة، أو مع العقل أو مع القيم المنافية للإسلام.

هذا الطعن العبثي بسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، والدعوة لفتح الباب لنقد مصادر التشريع، دافعها الحقيقي هو استثقال التكاليف الشرعية، أو الاستحياء من بعض النصوص؛ إرضاء لمن لن يرضى عنا بنص القرآن الكريم، خذوها وعوها: الطعن في السنة النبوية -وفي مقدمتها أحاديث الصحيح- هي حلقة ضمن مشروع كبير

عنوانه: التشكيك في مصادر الإسلام؛ لتكون النتيجة: ظهور أجيال ضعيفة هزيلة مهزوزة الثقة بمصادر تشريعها ودينها ومبادئها، يخدم هذا المشروع جهلة أو مفتونون باحثون عن الأضواء، يجمعهم أنهم لا نصيب لهم في العلم الشرعي، يهرفون بما لا يعرفون، يتحدون المسلمين ويجرحون مشاعرهم ويطعنون في مصادر تشريعم، يتحدثون عن شيخ المحدثين، ويقيمون كتابه الصحيح، كأنما يقيمون روائياً في روايته… والله وبالله لن يضير صحيح البخاري غمز الطاعنين، ولا تفيهق المتعالمين، ولا تشكيك الحاقدين؛ لأن أحاديث الصحيح هي من الدين، والله تكفل بحفظ هذا الدين وبقائه، وما مثال هؤلاء إلا كمن يمج على الشمس، أو ينطح الجبل الشامخ.

يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَه

أَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ

كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَها

فلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوعِلُ

تذهب الممالك، وتزول الدول، وتموت الرجال، وتتحول الأجيال، وتتغير الأطلال والآثار، ويبقى الإمام البخاري رحمه الله وصحيحه باقياً ما بقي الليل والنهار.

عباد الله: لو تأملنا في أعداد البشر الذين يقرؤون ويحفظون صحيح البخاري، ويترحَّمون على صاحبه، ويستغفرون له منذ القرن الثالث الهجري وإلى اليوم؛ بل وإلى آخر الزمان – لعرفنا فضله ومنزلته. مدارس ومعاهد المسلمين وجامعاتهم، ودورُ الحديث وأربطةُ العلماء، ودروسُ طلاَّب العلم على مرِّ الزمان، يدرسون صحيح البخاري، وفي كل درسٍ يقولون: قال البخاريُّ رحمه الله تعالى. إنه فضلٌ عظيمٌ، ومَنْقَبَةٌ كبرى، لا يمكن إحصاء مَنْ يقولها ويكتبها عبر التاريخ الطويل؛ ناهيكم عن أجر حفظ السُّنة النبوية، والاشتغال بالعلم، وفناء العمر في التعليم. كلُّ ذلك ناله هذا الإمام المبجَّل رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، وهذا يحفِّز العلماء إلى

الإخلاص، ويدعو طلاب العلم إلى الجدِّ في الطَّلب؛ حتى ينالوا بعضاً من هذا الفضل: (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ) رحم الله الإمام البخاري وأجزل مثوبته، وجزاه عن الأمة خيراً، وجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.. اللهمّ إنا نسألك أن تغفر وترحم الإمام البخاري، وتنظر إليه بعين لطفك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم يمّن كتابه، ويسّر حسابه، وثقّل بالحسنات ميزانه، وثبّت على الصّراط أقدامه، وأسكنه في أعلى الجنّات بجوار حبيبك محمد صلّى الله عليه وسلّم.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين..اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده سلمان بن حمد، واجعله خير خلف لخير سلف، ووفقه لما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد.

اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا، والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ، وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ، عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ والعالم عامةً يا ربَّ العالمينَ.

اللهم مّن بالشفاء والعافية على المصابين بوباء الكورونا، وارحم المتوفين به، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً..

اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعَزُّ فيه أهلُ الطاعةِ، ويُهدَى فيه أهلُ المعصيةِ، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكَر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنَ لنا أحباباً قد فقدناهم، وفي التُراب وسدَناهم، اللهم فاجعل النور في قبورهم يغشاهم، واكتُب يا ربنا الجنة سُكناهم، واكتُب لنا في دار النعيم لُقياهم، إنك مولانا ومولاهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين